...بين الأصل و الواقع و المنطق ، وبين الماضي و الحاضر و المستقبل ، تباينٌ ومسافاتٌ طويلة ..طويلة.. والشعر هو الأقدر على تأصيل المنطق ، ومنطقة الواقع ، وإذابة الأبعاد لتصبح بُعدا واحدا ، حقيقة واحدة ،تُدرَك بالحسّ و الذوق.. والمعاناة.. ففي زمن لا يَعترف بالألوان.. ترحل الأشياء كلّ الأشياء .. فُرادى وجماعات.. تضيق اللغة .. تتلاشى الصوَر.. تتحجّر المعاني.. تتأكسد الكلمات.. ويُصبح كلّ ما يُكتب مجرّد خربشات .. محاولة يائسة للمّ الشتات.. لاسترجاع ما يتبقى من الذات.. فالحياة داخل القصيدة ، أو خارجها ، غيرالحياة التي يعرفها الآخرون..فأنتَ لاتكتب الشعر ..أنتَ تقرأه .. أنتَ لا تكتب الشعر.. إنه يكتبك لا كما يقرأه غيرك.. إنه منطق الحسّ .. وللشعر منطقه .. للشعر أصله.. وللشعر واقعه..فقصيدة نكتبها .. وقصيدة تكتبنا .. وقصيدة يكتبها غيرنا وهي قصيدتنا.. فكم من قصيدة تمنينا لو كنا نحن من كتبها ! لكنّ أجمل القصائد تلك التي لم نجرؤ على كتابتها ! وأروعها جميعا قد تكون لم تُكتبْ بعد!!