القـراءات القـرآنيـة:
القراءةُ لغةً: مصدر (قرأ). وأمَّا القراءات اصطلاحاً، فهي: " علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو النّاقلة " (2). أي: هي علمٌ ثابتٌ بعزو النّاقلة عن النبي ، لا مصـدر له سوى النقل. وذهب الدكتور عبد الهادي الفضلي إلى أنَّها: " النّطق بألفاظ القرآن كما نطَقها النّبي، أو كما نُطِقَتْ أمامه فأقرّها " (3).
أمَّا أبو حيّان الأندلسي، فرأى أنّها: " الوجوه المختلفة التي سمح النّبي بقراءة نصّ المصحف بها قصداً للتّيسير، والتي جاءت وفقاً للهجةٍ من اللهجات العربيّة " (4).
ومهما يكن الأمر فإنَّ القراءات القرآنية توزّعت بين المقبولة والشاذة، ولكن ماذا عن هذه القراءات، المقبول منها والشاذ ؟ وماذا عن موقف النّحاة منها ؟
آ- القراءات المقبولة:
أخذ علماء القراءات المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم، هي: " كلُّ قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف، ولو احتمالاً، وصحَّ سندها، فهي القراءة الصحيحة " (5).
وأطلق سيبويه والأخفش على اختياراتهما القراءات القرآنية: القراءات العامة. وسمَّاها الفرّاء قراءات القرّاء، أمَّا ابن سلاّم فوصفها بالكثرة، وهي وإن تعدَّدت أسماؤها، فمعناها واحد، وهو الصحيح المشهور من القراءات(6).
وهناك قوم من القرَّاء جعلوا من القراءات شغلَهم الشّاغل، فاعتنُوا بضبطها أتمَّ اعتناء، حتَّى صاروا في ذلك أئمة يُقتَدى بهم ويُرحَل إليهم، ويُؤخَذ عنهم، وتوزّعوا في كلّ مكان. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثمّ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، ثمَّ شيبة بن نصاح. وفي مكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمَّد بن مُحيصن. أمَّا بالكوفـة فكان: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثمَّ حمزة بن حبيب، ثمَّ عليُّ بن حمزة الكسائي. وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثمَّ عاصم الجحدري، ثم يعقوب الحضرمي.
أمَّا في الشام: فكان عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بنُ عبد الله بن المهاجر، ثمَّ يحيى بن الحارث الذّماري، ثمَّ شُريحُ بن زيدٍ الحضرمي(1).
ولمَّا جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد (ت324هـ)، أفرد القراءات السبع المعروفة، فدوَّنها في كتابه ( السّبعة في القراءات )، وكان لها مكانتها في التدوين، ولا عجب في ذلك، فهو لم يأخذ إلاَّ عن إمام اشتهر بالضبط، والأمانة، و ملازمة الإقراء طـوال العمر، وممَّن رأى فيهم مثل ذلك من القرَّاء:
ـ عبد الله بن عامر اليحصبي الشّامي (ت 118هـ)
ـ عبد الله بن كثير الدَّاري المكي (ت120هـ).
ـ عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي (ت127هـ).
ـ أبو عمرو بن العلاء البصري (ت154هـ).
ـ حمزة بن حبيب الزيات الكوفي (ت156هـ).
ـ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني (ت169هـ).
ـ أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي (ت189هـ).
ونتيجة البحث لتحديد القراءات المتواترة، توصّل العلماء إلى قراءات ثلاثٍ تمَّ الاعتماد عليها إضافة إلى القراءات السّبع التي أقرها ابنُ مجاهد، فأصبح مجموع المتواترمن القراءات عشرُ قراءات، وهذه القراءات الثّلاث هي قراءات الأئمّة:
- يزيد بن القعقاع المدني (ت130هـ).
- يعقوب بن إسحاق الحضرمي الكوفي (ت205هـ).
- خلف بن هشام (ت229هـ). واتفق العلماء المحقّقون على أنَّ هذه القراءات العشر قراءاتٌ متواترةٌ إلى رسول الله حتّى إنّهم أثبتُوا تواترها بذكر طبقات رواتها(2).
ب ـ القراءات الشاذّة:
عُرِف أصحاب القراءات الشاذة بأنّهم خرجوا من دائرة القرّاء العشرة الذين حدَّدهم ابـن الجزري، وانصرفوا إلى القراءة المفردة التي تُعزى إلى بعض الرجال، ومن هؤلاء القرّاء: شُريح ابن يزيد الحضرمي، وطلحة بن سليمان(1). وأفرد ابن النّديم موضعاً خاصاً لتعداد أسمائهم في كلِّ عصرٍ على حدة، فكان من أهل المدينة: عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة المخزومي، وأبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان(2)، ومسلم بن جندب(3).
ومن أهل مكّة: ابن محيصن(4)، وحميد بن قيس الأعرج. ومن أهل البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعاصم الجحدري، وعيسى بن عمر الثّقفي. ومن أهل الكوفة: طلحة بن مصرِّف، وعيسى بن عُمر الهمداني(5)، ومن أهل الشّام: أبو البرهسم عوانة بن عثمان الزبيدي(6)، وخالد بن معدان(7). ومن أهل اليمن: محمد بن السميفع