01
قراءة هامسة في ديوان (قبّعات من ضوء الروح) للأديب الموسوعي الراحل الحي ـ طلعت سقيرق ـ رحمه الله ـ
بدمع الأستاذ محمد الصالح شرفية الجزائري.
..هي الجرأة..الدهشة..علاقة حميمية بالحرف..بالنبض..بل بإنسانية الإنسان..وأيّ نوع من البشر؟! فالراحل الحي ـ طلعت ـ ظلّ يبحث عن حضن الوطن..بين يديه شعلة حبّ..في قلبه بركان حنين..في عينيه بريق أمل العودة..مفاتيح باب قلب الوطن ـ فلسطين ـ في سرّ حرفه..نبضه..شعره..كلِّ كيانه..فهذا كلّه شغلني وأدهشني والشاعر حيّ..والشاعر راحل حيّ..ومازال..قبّعات من ضوء الروح ديوان حاولتُ أن أتنسّم عبقه ..أتصفّحه..محاولا الغوص في ثناياه برفق ولين..فمن (مطر وشيء من دفاتر عابرة ..إلى يا ليت وليت..مرورا بجنازة منفى وهل طواك الموت حقا؟ ) مسافات من النور..من الضوء..من عصير الروح..حيث شكّل الوطن الحضور الملحّ..الكيان المتغلغل في الوعي واللاوعي..وبين حضور الوطن والوعي يومض الموت بين الفينة والفينة..
حيث يقول في (مطر وشيء من دفاتر عابرة )
كانَ الكرسيّ على بعد ٍ مني
لم أعرفْ أنّ السيدَ كان الموتَ
ولم اسألْ عنهُ النادلَ
..وحينما يفكّر قليلا يجد نفسه قد ابتعد كثيرا كثيرا فيقول:
فكرتُ قليلا
صار البيت ورائي
والشارع صار ورائي
والأحلام تمطتْ خلفي وانسحبتْ
لم أحملْ غيرَ كلام ٍ دونَ حروف ٍ
صرتُ بعيدا جدا
كلّ شيء في الوطن لا ينام ..حتى الخواتم لا تنام ..
يقول في : (حتى الخواتم لا تنام)
لي شارعٌ في حيـّنا بين الزواريبِ القديمة ِ
أشتري كلّ المواويل امنحي قلبي سؤالَ
الرقصةِ الأولى وهاتي شمعة َ العيدِ البعيدِ
ويصدمنا بحبّه الفيّاض الذي لا حدود له..يذكّرنا بالتصاقه الحميمي بالأرض فيصرّح في : (سيذكرني الناي)
.. سيذكرني الناي ذاتَ مساء ٍ
ويذكرُ أنّي
صعـَدتُ الدروبَ جميعَ الدروب ِ
بخفقة ِ قلبي وهمسة ِ فنِّي
وما كنتُ يوما سوى ما أريدْ
زهورا وعطرا وروحا وحبا
وخفقا يضخّ دماء َ النشيدْ
..ويستمرّ المنفى هاجسا يحرق أوراق الشاعر أو يكاد..المنفى موتٌ ..جنازة ..ليل ثقيل ثقيل..يلوّن صوته بمسحة حزينة حيث يقول في: (جِنازة منفى )
جِنازةُ مَنفى
وليلُ المنافي ثقيلٌ ثقيلْ
جِنازةُ مَنفى
وكلّ المنافي هنا تستقيلْ
جِنازةُ مَنفى
فلسطينُ عادتْ
فأقبلْ وقبـّلْ هواكَ الجميلَ
الجليلَ الطويلَ
الطويلْ ..
..وبالرغم من المنفى..البعد عن الوطن..فالروح في الوطن..الوطن مُمْتَزج بالروح..مطر يضمّخ كلّ شيء..فتومض الحياة ضوءا ووردا