تصريع رائع ، ومحاكاة لنونية ابن زيدون ، باحترافية كبيرة ، تنم عن شاعر متمكن من أدواته ، شفيف في معانيه ، رقيق في عباراته ، صادق في أحاسيسه ، أحسنَ اختيار مفرداته ، وبحر قصيدته ، وقافية مطلقة ممدودة تريح القارئ وتدغدغ السامع ، والنصبُ أخف الحركات ، لذلك أسجل إعجابي بواحد من شعراء نغم المرموقين في ( الشعر العمودي)
وهم لحسن الحظ كثيرون !هذا جانب مما رأيته وربما الأجمل أغفلته لتواضع في مقدرتي النقدية، أو لقصور في ذائقتي الفنية أو اللغوية..وهناك جانب آخر أردتُ أن أوضحه قدر المستطاع، وأتمنى أن أكون مخطئا، سأوجزه في الآتي:
1 ـ لو شكلت الأبيات لكان أسلم حين نقرأها.
2 ـ هناك خلل عروضي في الشطر الأول من هذا البيت:
يا صاح جثـتي الغرقى تطارحنـي عما بـدا و ارتطامـات بأهلينـا
ولو قلتَ :
(يا صاحبي جثثي الغرقى تطارحني عمّا بـدا و ارتطامـات بأهلينـا)
لكان أصوب عروضيا و أقوى معنى ؟.
3 ـ اضطراب طفيف في المعنى ناتج عن تركيب غير واضح في السياق ، في قولك:
رهبت حتى الأماني في سنابلهـا حتى بنيـت لهـا عشـا مآقينـا
فلفظة (بنيت) جعلت المنصوبين (عشا ومآقينا) متنافرين، ولو وضعتَ بدل (بنيتُ)، (جعلتُ ) لانسجم العش والمآقي وهكذا تتضح الصورة أحسن...
وطالما أنا أعتمد مزيجا من مدارس مختلفة في النقد ، وخاصة النقد الشخصي والانطباعي ارتأيت أن أشير إلى بيتٍ أعجبني كثيرا حدّ الدهشة ألا وهو حسب ذوقي المتواضع:
اقتاتنـي زمنـي واقتتـه زمنـا حتى ارتسمنا على بعض عناوينا
بناء قوي ، وصورة جميلة ، وتجسيد رائع للمعنى ، وتحكم في أدوات الفصيح من اللغة ، وحسن اختيار للألفاظ ذات الدلالة البعيدة ، والكلمات تغازل بعضها بعضا في تناغم بديع داخل سياق يرفل بموسيقى منسجمة النغمات ، فـ (اقتاتني ) و (اقتته) و(زمني) بمعنى الدهر والعمر ، و(زمنا) بمعنى (الوقت والفترة..) ثم جاء الشطر الثاني ليرسم لنا أجمل صورة للتناغم حتى الذوبان...
شكرا لك لأنك أمتعتنا بقصيدة ندية ، بمسحة حزينة ، ولغة شعرية حد الرومانسية، ونقلتنا فوق بساط أندلسي طرّزته أنامل ابن زيدون..فشكرا لك مرة أخرى..
القصيدة:
يا صاح!
يا خير صاح أما طالت مسارينـاإذ نحن فيهـا نجاريهـا قرابينـا
يا خير صاح بنا الآفاق ما اكترثت لكنهـا ذبحـت دربـا بواديـنـا
ياخير صاح ضللنا الدرب أم قذفتبنا الدروب إزاء الوهـم نسرينـا
ياصاح ما انبأتك الأيام أشرعـةإن مزقت ضيعت مرسى وتوطينا
يا صاح جثتي الغرقى تطارحنـي عما بـدا و ارتطامـات بأهلينـا
اقتاتنـي زمنـي واقتتـه زمنـاحتى ارتسمنا على بعض عناوينا
اقتاتنـي كفنـي واقتتـه نخـراحتى تصابت بنا شيبـى قوافينـا
رهبت حتى الأماني في سنابلهـاحتى بنيـت لهـا عشـا مآقينـا
حيث الأماني سحابات مقاصلهـاوحيث منها دموع العين تسقينـا
ياصاح كل الأيادي لطخـت دمنـاحتى بكـل يـد بانـت براهينـا
شعر: إبراهيم سعد الجاف.