تنطلق الرقصة كما عند الأسلاف ! هناك طقوس تُمارس تحضيرا لبداية الرقصة.. مدّاح وتمائم صبر وعيدان ليبدأ الموّال.. تنطلق أولى حركات رقصة الأيك بجرح وأمل بعيد..حلم يخامره الوهم.. تشرين خلفية لهذه الرقصة..وفي محرابه يغزل الشاعر خيوط أوبراه !! الأيك المكان المظلّل.. الزمان تداخُل أبعاد..الماضي يلفّ المكان كله وإن لاحت في الآتي أحلام خجلى لا تكاد تبين !..وتنطلق الرقصة بخطى ثقيلة متثاقلة..الحزن لا يكاد يغادر ..مازال عالقا بظل الأيك.. يتساءل الشاعر: متى يسافر الجرح ؟..أجل ! متى تزهر الأفراح؟متى يُعزَف الشوق؟...تستمر الرقصة الثقلى تكبّلها الوحشة والحسرة... الشاعر في هذه اللحظة يقدّم للبحر قرابينه.. شطآنا .. لا مكان لموقع قدم...أهي بداية الطوفان؟!! ليشتري نبعا يروّي به أملا وحلما.. لكن هيهات فالنبع من وهم !!...وتستمر الرقصة.. تمائم الصبر مرآة ... يستنطقها الشاعر..بعد أن قدّم كل شيء...قدّم الكثير ليحصل على القليل القليل... يحصل على نبع..ثم على ساقية... تتسع الشطآن القرابين فتصبح بيداء...تتسع لتصبح أفق خاطرة... يلوذ الشاعر في آخر حركات الرقصة بالأيك.. التي أنقذت أشرعته المسافرة في اللامكان عبر اللازمان... تتداخل الأمكنة والأزمنة..يتسارع إيقاع الرقصة..تتشابك الأيدي..تتوقف الرقصة على مشهد شاعر نزاري مفتون من رأسه حتى قدمه...
ويبقى في أعماقنا صدى موال وقافية جريحة وفي وجداننا فيء الأيك وتمائم صبر..فنغمض العيون على آخر مشهد لرقصة الأيك !!!
القصيدة:
رقصة الأيك..
تَرنَّــحَ الـسّـهـدُ فِـي الـتّـيـجـانِ و الـنِّـعَـِم
...........آذَى جـداوِلَ تـريـاقـِـي … هَـوى سـقَـمِـي
مـتَـى تسـافـرُ ، يـا جـرحـًا يـعـانِـقُـنِـي
...........و يَـغْـدُقُ الـحُـبُّ كـالـفِـرْدَوسِ فـي نـهَـمِ ؟!
أجَـلْ ! … مـتَـى تُـزهـرُ الأفْـراحُ يـا أمَـلِـي
..........ويعْـزفُ الـشَّـوقُ فـي الـمِـحْرابِ كـالـنَغَمِ ؟!
دُنْـيـاكَ تِــشْـريـنُ إحْـسَــاسٌ ، أكــابــدُهُ
.....في اللـيْلِ ..فِـي الـصُّبْـحِ .. فِـي مُرْجِـانَـةِ الكَلِمِ!
يـا خـصْـلـةَ الـدَّمْــعِ ، أهـْـدَابِـي مُـمَــزقةٌ
.................بِـالـلـه تـشــريـنُ ، لا تسألْ عن الألمِ
قـدْ بـعْـتَ لـلـبَـحْـر ، شُـطْـآنًا بـأَكْمَـلـهَـا
............و اخـتـرْتَ للشِّـعْـرِ مـداحـًا عــلَى قَـلَـمِـي
ذَوَّبْـتَ وصْــلاً كَـمَـا الـمــيْسَـانُ فِـي الـغَسَقِ
..............و ابْـتَـعْــتَ نَـبْـعًـا مـنَ الأوْهـَــامِ للحُـلُمِ
تـَمائِـمُ الـصَّبْــرِ ، كـالـمِـرْآةِ أسْــأَلُــهَا : -
............هلْ أنـتِ فـاتـنَـتِي ؟ … بِـاللهِ ابْـتَـسِمـِــي
كـمْ صَـفَـقَ الـحُـبُّ فـي عَـينَيـكِ مُـشْتَــعلاَ
................يُــغَازلُ الـحاجِـبُ الـمسـدُولَ بالـنَّــــدَمِ
كـمْ لـمْـلــمَ الــمَـوْج ُ، عـنْ عـيدَان أُغْنِيتِـي
.................أشْـلاءَ قـافـيــةٍ مـجْـروحَـةَ الـهِــمَـــمِ
كـمْ دَاعَـبَ الـقَـمَـرُ الـزّهريُّ فـي خَـجَــــلٍ
...............مــَّوالَ سَـاقِـيَـتِي بَـالـرِفْـقِ و الـكَــــرمِ
لــمَ الـعِـتَـابُ عـلَى الـهَـيْـفَـاءِ إنْ عَـبِقَـتْ
..............بِالـزَيْـزَفُـونِ و بِـالـريـحَانِ لِـلْـقِـيــــمِ ؟!
يَـا رقصةَ الأيكِ، فـي بَـيْـدَاء خَـاطِـرتِــي
..............أنـقَــذْتِ أشْـِرعتِـي مـنْ عَـوْسَــج الـعَــدِم
يَـا عَـسْـجَــدَ الـغِـيـدِ ، مَـيَّـادًا تُصَافِـحُنِي
........أهْـواكِ … أهْـواكِ … مـنْ رأسِـي إلـى قدمي
ياسين عرعار
ديوان (مهر ليلى)