في غمرة المتغيّرات ، وفي عصر السرعة الجارفة ، يقف المتشبث بأصاليته وِقفة أهل الكهف! ما أسرع ما يهرول (المثقفون) إلى استبدال ألسنتهم وتهجين مخارج حروفهم ، و (تحديث) أفكارهم ظنا منهم أنهم بذلك سيواكبون العصر ، ويلحقون بركب الآخر ، الذي فتنهم حد الانبهار، ومسخهم حد التلاشي والذوبان حتى أضحوا بلا هوية ..لا لون لمدادهم ، ولا طعم لحرفهم ، ولا صورة لأفكارهم ، غير ما يلقي به الغرب الجارف عليهم من أسماء وألقاب بلا دلالة ولا معنى! وينظرون إلى كل أصالي على أنه ذلك القابع في كوة الأولين ، الملتحف جبّة الأجداد والفاتحين .. في ذات الوقت ينظر هو إلى كل هذا نظرة عطف وحسرة .. لأنه يدرك أن في عصر السرعة هذا يتوجب عليه أن يفكّر ببطء شديد..أن يتعلّق بالأصل .. أن ينظر حيث موضع أقدامه.. وأن يعرض الأمر على دينه وعروبته ليخطو بثبات .. فنحن لا نبني ذواتنا بطوب مستورد.. نحن ذواتٌ تبني وتؤسِّس ، وإن أصابنا عطل أو عطب في مسيرتنا تجاوزناه دون انتظار قطع غيار مزيفة ! لذلك نريدها أصالية لا انفصالية .. أصيلة لا دخيلة.. منهجنا منا لا من غيرنا ، فينا لا خارجنا ، إلينا لا علينا ، ونصون به فنُصان، نبني به فنعلو ، نُقلَّد ولا نُقلِّد ، نقود ولا نُقاد .. ومن أشبع نفسه الأصالة وروّى روحه منها استعذبها وحقّ له الاعتزاز لأنه الأصل وكل ما دونه زائف عارض وإن أعجبَ الآخر ورضي به أبناء جلدتنا واعتقدوا أن الأصالة كهف نقول لهم :هي كذلك ونحن قوم آمنوا بربّهم فأووا إليه...
