لوحة بريشة مازنية بهية..قلب..عيون..وورود..كانت الخلفية ماض متجددّا بالحنين..غبش حزين شفيف..كان التدرّج اللوني في هذا النبض دقيقا .. مسافة بضع كلمات تجد قلبا أو حبيبا أو عينا أو وردة..فتأمل هذه الأبيات:
1 ـ وَإِنْ أَشْتَكـي فَالْقَلْـبُ يَشْكـو حَبِيبَـهُ وَمِنِّـي إِلـى مَــنْ بِالعـيـونِ عِتـابـي
2 ـ وَما زِلْتُ مِنْ قَلْبِ الْحَبيـبِ شِغافَـهُ وَما زالَ لـي وَرْدي وَلَحْـنُ شَبابـي
وكذا في جل أبيات القصيدة..هي لعبة الفنّان وألوانه التي تفنّن في توزيعها على سطح لوحته بحرفية كبيرة..فبالرغم من تكراره للفظة (القلب) 5 مرات في قصيدة من 13 بيتا إلا أنك لا تشعر بهذا التكرار !! بل تجده مجمّلا للنص طالما الغرض هو الغزل!!! أليس القلب مستودع كل حسّ ؟؟!!
وانظر إلى عذوبة الصورة وجمالية انتقاء اللفظ مع وداعة قلب شاعر محب وأناقة رهافة حسه ـ ـ وأحسبه بيت القصيد ـ حين يقول:
إِذا هامَسَتْ رُوحي تَنادَتْ بِأَضْلُعـي تَناسـيـمُ وَرْدٍ عـاطِـراتِ الـرِّضــابِ
ثم انظر إلى حذق الشاعر حين لم يُرِدْ خدش جمال لوحته فتجاوز عن لفظة (موتي) وأبدله ب (غيابي) في قوله:
أَيا حُبُّ قُلْ لي، في هَواها مَقاتِلي؟ وَمــا فـاعِـلٌ قَلْـبـي قُبَـيْـلَ غِيـابـي؟
وهذا البيت بالذات تمنيّتُه لو كان آخر بيت !! لأن الاجمل أن تُختتم هذه الخريدة باستفهام لا يحتاج إلى صفة أو إجابة !!! كما أنه يبدو لي أن القصيدة مبتورة بعض الشيء ؟؟ فالمطلع يبدو أنه كان مسبوقا بأبيات ؟؟ لأن الواو التي استهلّ بها القصيدة هي واو عاطفة ..فلو جاء المطلع مصرّعا لتجاوز بها الشاعر قصائد فحول شعراء العمودي !! أشدّ على يد صديقي الشاعر مازن وأعترف له بمقدرته على نسج هذه القصيدة من بحر يستعصى على الكثير من الشعراء ألا وهو الطويل وما أدراك ما الطويل!!! مزيدا من الإبداع شاعرنا الأنيق مازن العجوري...
القصيدة:
في هواك مقاتلي..
وَإِنْ أَشْتَكـي فَالْقَلْـبُ يَشْكـو حَبِيبَـهُ وَمِنِّـي إِلــى مَــنْ بِالعـيـونِ عِتـابـي
وَما زِلْتُ مِـنْ قَلْـبِ الْحَبيـبِ شِغافَـهُ وَمـا زالَ لـي وَرْدي وَلَحْـنُ شَبـابـي
إِذا هامَسَتْ رُوحي تَنـادَتْ بِأَضْلُعـي تَنـاسـيـمُ وَرْدٍ عــاطِــراتُ الــرِّضــابِ
يُـدانـي كَأَعْـنـاقِ النَّخـيـل ضِـيـاؤُهـا بِسُـودِ العُيـونِ الضَّاحِـكـاتِ الـرِّحـابِ
إِذا مـا رَأَتْ فـي الْقَلْـبِ حُزْنـاً تَهَدَّلـتْ تُـداوي بِشَهْـدٍ مِــنْ أَصـيـلِ شَــرابِ
وَقَــدْ أَكْتَـفـي مِنْـهـا بِلَـحْـظٍ مُـغـازِلٍ يُنـادي عَلـى مَـنْ بِالْحَنـيـنِ مُـصـابِ
وَقَـدْ أَرْتــوي مِنْـهـا بِقُبْـلَـةِ عـاشِـقٍ وَأُشْفـى بِهَـدْلٍ مِـنْ حَمـامٍ يُحـابـي
كَحِيـلُ الْعُيْـونِ السُّمـرِ يُهْـدي حَنانَـهُ بِبَوْحٍ شفيـفِ الْهَمْـسِ نـادي الْعِتـابِ
بِحُضْـنٍ دَفِـيءٍ بِالْمَحـانـيْ تُحابِـنـي وَمِــنْ وَرْدِ فِيـهـا بِالشِّـفـاهِ طِـيـابـي
إِذا خاصَمَتْـنـي غازَلَـتْـنـي بِـزَهْـرِهـا تَثَنَّـتْ عَلـى صَـدْري بِوَقْـدِ الشِّـهـابِ
أَحَـرَّتْ وَفـي قَلْبـيْ تَحلَّـى وِدادُهــا وَأَرْوَتْ حَنيـنـاً مِــنْ شَـهِـيِّ طِـلابـي
كسَيْـفِ اللَّيالـي فـي مَدامِـع رُوحِنـا إِذا مَـسَّـهـا ضُـــرٌّ يَـطــولُ عَــذابــي
أَيا حُبُّ قُلْ لي، في هَواها مَقاتِلي؟ وَمـا فاعِـلٌ قَلْـبـي قُبَـيْـلَ غِيـابـي؟.
