من كتاب الزهرة للإمام أبوبكر محمد بن داود بن علي الفقيه الظاهري ( 255-297 ) ؛ ابن الأمام داود بن علي الظاهري , كان عالمًا بارعًا, أماما في الحديث , أديبا, شاعرا فقيها, ماهرا ، له كتاب الزهرة ،اشتغل على أبيه وتبعه في مذهبه ومسلكه وما اختاره من الطرائق وارتضاه وكان أبوه يحبه ويقربه ويدنيه , ولد ببغداد في سنة خمسة وخمسون ومائتين للهجرة وتوفي فيها , في العاشر من رمضان , سنة سبع وتسعين ومائتين .
&&& &&& &&&
قال بعض الحكماء ربَّ حربٍ جُنيت من لفظة وربَّ عشق غُرس من لحظة وقال العتبي أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجّاً فلما مررت بقباء تداعى النَّاس ألماً وقالوا قد أقبلت الصقيل فنظرت وإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل فلما رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها فقلت يرحمكِ الله إنا سفرٌ وفينا أجرٌ فأمتعينا بوجهكِ فانصاعت وأنا أرى الضحك في عينيها وهي تقول:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفكَ رائداً ... لقلبكَ يوماً أتبعتكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا تأكلهُ أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عن بعضهِ أنتَ صابرُ
وأنشدني أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي لامرأةٍ من الأعراب:
أرَى الحرَّ لا يفنَى ولمْ يفنهِ الأُلى ...
أُحينوا وقد كانوا علَى سالفِ الدَّهرِ
وكلهمُ قد خالهُ في فؤادهِ ... بأجمعهِ يحكونَ ذلكَ في الشِّعرِ
وما الحبُّ إلاَّ سمعُ أُذنٍ ونظرةٌ ... ووجبةُ قلبٍ عن حديثٍ وعن ذكرِ
ولوْ كانَ شيءٌ غيرهُ فنيَ الهوَى وأبلاهُ مَن يهوى ولوْ كانَ مِن صخرِ
وقال آخر:
تعرَّضنَ مرمى الصيدِ ثمَّ رَمينا منَ النّبلِ لا بالطائشاتِ الخواطفِ
ضعائفٌ يقتلنَ الرِّجالَ بلا دمٍ ... فيا عجباً للقاتلاتِ الضعائفِ
وللعينِ ملهًى في التلادِ ولمْ يقدْ
هوَى النفس شيئاً كاقتيادِ الطَّرائفِ
وقال آخر:
وكمْ منْ فتًى جَلدٍ يقادُ لحينهِ ... بطرفٍ مريضِ الناظرَينِ كحيلِ
إذا ما الهوى منهُ تعزّزَ جانبٌ ... فما شئتَ مِن مقتولةٍ وقتيلِ
وقال جميل بن معمر العذري:
رمى اللهُ في عينيْ بثينةَ بالقذَى
وفي الغرّ مِن أنيابِها بالقوادحِ
رمتْني بسهمٍ ريشهُ الكحلُ لمْ يضرْ ظواهرَ جلدي
فهوَ في القلبِ جارِحي
أما معنى البيت الأول فقبيح أن يجعل في الغزل إن كان قصد في باطنه ما يتبين في ظاهره وقد زعم بعض أهل الأدب أن قوله رمى الله في عيني بثينة بالقذى إنما عنى به الرَّفيبَ وقوله. وفي الغرّ من أنيابها إنما عنى به سروات قومها والقوادح الحجارة وقد عرضتُ هذا القول على أبي العباس أحمد بن يحيى فأنكره وقال لم يعن ولم يرَ به بأساً العرب تقول قاتله الله فما أشجعه ولا تريد بذلك سوءاً.
للحديث بقيةٌ بإذن الله