تقديم الحال على العامل فيها
اختلف النحاة في تقديم الحال على عاملها المتصرف، فذهب البصريون إلى جواز تقديم الحال على العامل فيها مع الاسم الظاهر والمضمر، وذهب الكوفيون إلى منع تقديم الحال على العامل فيها مع الاسم الظاهر، وجواز تقديمه مع المضمر(1).
مذهب الكوفيين:
منع الكوفيون(2) تقديم الحال على عاملها إذا كان صاحبها اسما ظاهرا، نحو "راكبا جاء زيد" وأجازوا تقديمه مع المضمر.
واحتجوا بأن ذلك يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر، فإذا قيل: راكباً جاء زيد" كان في "راكبا" ضمير زيد، أي أن التقدير فيه"راكبا هو" وقد تقدم هذا الضمير المقدر على زيد، وتقديم الضمير على الظاهر غير جائز(3).
مذهب البصريين:
أجاز البصريون(4) تقديم الحال على عاملها المتصرف.
واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ ﴾(5)، فـ"خشعا" حال من الواو في "يخرجون" وقد تقدم على الفعل العامل فيه، وقالت العرب:" شَتَّى تَؤُوبُ الحَلَبَةُ"(6) فـ"شتى حال من الحلبة، وتقدمت على عاملها.
وذكر المبرد شواهد على ذلك، منها قول سويد بن أبي كاهل(1):
مُزْبِداً يخْطِرُ ما لَمْ يَرَني وإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ
وهنا تقدم الحال"مزبدا" على عاملها "يخطر"، وقال الشاعر(2):
ضاحِكاً ما قَبَّلْتُها حِينَ قالوا نَقَضُوا صِكَّهَا ورُدَّتْ علَيَّا
وقد تقدم الحال" ضاحكا" على العامل فيها "قبلتها".
واحتجوا على جواز ذلك بقياسها على غيرها مما ينتصب بالفعل المتأخر، فيجوز أن تقول:" راكبا جاء زيد" كما تقول: "عمرا ضرب زيد"، فإذا كان الفعل متصرفا جاز تقديم معموله عليه، وكذلك يجوز تقديم الحال على عامله إذا كان متصرفا(3).
الترجيح:
يتبين مما سبق أن البصريين يجيزون تقدم الحال على عاملها المتصرف، ومن أدلتهم السماع والقياس، ومن الشواهد التي استندوا إليها قوله تعالى:﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ ﴾(4) وما روي عن العرب من قولهم: "شتى تؤوب الحلبة".
وأما الشواهد الشعرية التي استندوا إليها فلم تثبت حجةً في تقديم الحال على عاملها المتصرف، وبيت سويد بن أبي كاهل:
مُزْبِداً يخْطِرُ ما لَمْ يَرَني وإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ
فهو يروى بالرفع "مزبد" ويروى "مذ بدا" بمعنى منذ ظهر، وأما البيت الثاني:
ضاحِكاً ما قَبَّلْتُها حِينَ قالوا نَقَضُوا صِكَّهَا ورُدَّتْ علَيَّا
فلم أجد في ما بين يدي من المصادر من استشهد به غير المبرد.
وأما الكوفيون فإنهم يمنعون تقديم الحال على العامل فيها بحجة أنه يؤدي إلى تقديم المضمر على المظهر، وهو ما احتجوا به في مسألة تقديم الخبر على المبتدأ، وهي حجة ضعيفة في نظري.